لبياض منثال كحبّات العقيق
سلام ملائكيّ ينثر آخر النّبوءات
وروح ياسمينة تتهادى على رذاذ الموج
تُراقص بعنفوانها شهوة البحر
وزرقته المنتفضة حدّ الهذيان
للقداسة المتدفّقة من ظلّ مكسور
ووجه ناضح يقيناً
أمنيّة محلّقة على جناح فينيق
تلملم الرّماد وتغتسل تحت النّار
لتنبثق من جديد أسطورة الخلود ..
كانت غارقة بالتفكير كيف ستعود للبيت أسنانها تصطك ..
جسمها يرتعد ويرتجف ..
لا تعرف هل من صحوة المخدر أم من وحدة كسرت قلبها .. وسحقت كل السعادة بداخلها ..
مرت الدقائق بانتظار الطبيب ثقيلة بطيئة ..
وفجأة أشرق النور وجاء الفرج ..
انحنى إليها وسألها ..
كيف حالك ؟؟
بعد أن أمسك بيدها واحتضنها بالأخرى ..
سرى دفء بأوصالها المرتعدة حتى الوله .. لتغدو كلماته المطمئنة سيل جارف اجتاح حصونها ..
قالت .. أريد العودة للبيت ..
سألها كيف ستعودين .. وأنت بهذا الحال .. هل من أحد يقلك ..
قالت أنا وحيدة ..
كان في عينيه طمأنينة تأسرها .. وفي لمسة يديه ما يجعلها تستكين وتهدأ .. مهما راودها من ضجيج الأفكار .. كل مافيه يغرقها بحنان لا مثيل له ..
ساعدها في النهوض ..
استلقت على كتفه وهي غارقة بعطر أنفاسه وفي عينيه شلالات حب كانت أشد احتياجاتها في تلك اللحظات ..
فتح لها باب البيت رغم أنها تستطيع ..
ليست تدري ما الذي يجذبها إليه ..
شعرت بأن كل مافيه يناديها ..
طافت برأسها أطياف .. وناجت نفسها بأحاديث لا تنتهي ..
حانت منه التفاتة آنست خطواتها .. فقد كان قلبها يخفق بشدة .. وهي تتمتم بدعاء لتتماسك ..
حاولت ان تودعه وهي تتحاشى النظر في عينيه .. لشدة وحشتها و ارتباكها ..
ضمها إليه بشدة فسكنت كطفلة صغيرة في أصابع كفيه ..
ازداد ذاك الشعور عبقا في مساماتها وأينع ربيعا أثمر الكثير من المشاعر الصاخبة ..
منتهى النشوة .. ان يمتزج عطرك بهدأة الليل .. وتفوح منه القصائد ثملة ..
نهضت في الصباح على رنين الهاتف ..
كيف حالك الآن ..
قالت .. قليل من الحب يصنع الدهشة ..
أنت هنا .. ؟؟ !!
ليس وهما ..
عطرك مازال يملأ كفي .. وأي عطر ..
يرتب مقامات الروح ويختلي بضجيجها ليمنحها السكينة ويرقى بها إلى الخلود المشتهى ..
سألته بخجل .. هل ستأتي ؟ كما وعدتني ..
قال : لو طلبت سآتي .. دون شك ..
فتحت له الباب .. كان يمسك بيده ورود ..
همست .. تأتي ملتحفا ضوء القمر تخطف لهفتي وتهديني النجوم عقدا .. ..
أومأ برأسه مساء الشوق يا نقش القلب وأثيره ..
تبادلا أطراف الحديث ..
بعيدا عن الحرب وشطحات الشرق والغرب وبلادة القلوب .. وقوارير العطر المعقم بالسموم ..
بعيدا عن الغرور والفخر المزعوم ..
حدثها عنه .. عن مسيرته وحياته ..عن حبه للموسيقا ..
كان يتقن ترتيب الروح ويعطي للأشياء نكهة ولون ..
وحدها روحه المعطرة بنبيذ الحب تثير دهشة القلب وتعلو برعشته إلى سماوات الخلود ..
تتالت اللقاءات وازدادت ولهاً وجنونا ..
كانت تردد له ..
أنا مجنونة ومجنونة جدا .. حد يفوق الجنون وأبعد ..
ويجيبها أحب فيك هذه الأنثى الأنثى .. امرأة تشكلت جنونا وشعرا وذاكرة وليل وقصيدة ..
مزيج خمر وعطر وسكر
كانت ليال جميلة فيها موسيقا حليم ، وأزنافور ، واوبرا فيردي ..
طقوسا اسطورية فيها من الجنون الكثير ..
غدا محور اهتمامها .. ولب تفكيرها .. وكل التراتيل ..
فكيف لا تكون عاشقة وبين ثنايا الروح تلمع نظراته ... ترحل بها صوب الجنون من سكرة الوجد وشهقة الشوق ..
راقصها على موسيقا شوبان وهمس إليها ..
أنت القطعة المشتهاة التي تنتفض لها أوتار الجيتار وتنحر على إيقاعها كآبة الوجود .. تبث سحرها على شرفات المساء وتعابث البريق المنهمر من أعذاق السماء لنغرق في نشوة الحلم ..
مرت أيام وطال غيابه .. !!
اتصلت به وكان يشكي انشغاله وانهماكه بالعمل ..
نال منها الشوق حتى أرق ليلها وذبلت روحها ..
وهي تبثه الرسالة تلو الأخرى ..
ياشهي الروح يا نقي كحبة الماء ..
أنصفني ..
ياراعي القلب .. ذبل الغصن وتاهت أوراقه وسقط ظله وغار كما الشمس في محاجر الغروب ..
مرايا الصبر تلتهم أنفاسي .. يراودني طيفك ويهزمني غيابك ..
أينك يا حب ؟؟
يا خل الروح .. في غيابك
لا ثغر للشمس يبتسم ولا عاد القمر يجيد الغناء ..
كل شيء باهت .. وكل الأشياء غدت بلا أشياء ..
الأزمنة بلا ظل .. والأمكنة بلا ذاكرة .. حتى المشاعر أصبحت مركونة على رف مهترىء تدون على خاصرة الوقت وجوها بلا أسماء وكلمات بلا معنى ..
ولا إجابة تثلج نيران قلبها ..
نهضت من فراشها بعد أن قضت ليلها بالأرق .. قررت أن تذهب إليه ..
وصلت فتفاجئت بلوحة على باب عيادته مكتوب عليها
"مغلق حتى اشعار آخر "
ذهلت واحتارت .. هل اكتمل نضج الوهم على أكف الريح العابر .. !؟
المضرج بأحلام القرابين .. !!
أم تراها السماء تمطر لعنتها معلنة مواسم العقاب والجزاء .. !!