لماذا لم تبحثي عني ؟
كان عليك أن تبحثي عني جيداً ربما أكون خاتمك الذي ضاع قبل سنتين أو ربما أكون دفترك القديم الذي دونتِ على صفحاته أولى الذكريات ربما أكون القلب والسهم في الصفحة الأولى أو ربما أكون دزينة القلوب في صفحة النهاية ربما أكون محشوراً بكل قسوة بين كلمات أغاني تامر حسني ومروان خوري ومحمد حماقي ،كان عليك أن تبحثي بصبر أكبر ودقة لامتناهية فأنا ربما أتواجد في أكثر الأماكن غرابة وأكثرها بعداً عن المنطق ،هل جربت البحث في خزانة الملابس ؟ ربما أكون ملتصقاً كالعطر على ياقات قمصانك أو متدلياً كخيط هارب من نسيج فستانك الأسود وقد أكون متشبثاً بلا حول ولاقوة كالظل على ستائر غرفتك وأنت تبدلين قميص نومك بالربيع ،ربما أكون قطعة إكسسوار في علبة البرازق التي يحضرها القادمون من دمشق وتصبح في غفلة من الزمن مستودعاً للأطواق والخواتم والخرز ،إبحثي فيها ربما أكون متخفياً في ثوب خرزة زرقاء أو خيطاً في سوار ،ربما أكون الألماسة البلاستيكية التي سقطت من خاتمك العزيز قبل أن تبلغي عامك الخامس عشر ،قد أكون المرآة المكسورة بجانب سريرك أو مشط شعرك العاجي وقد يحالفك الحظ وتحظين ببعض الدلائل لو بحثت في زجاجات العطر الفارغة وعبوات المناكير وحبوب السيتامول منتهية الصلاحية، كان عليك أن تبحثي عني لكن (سوف تلهو بنا الحياة وتسخر).
لماذا لم تبحثي عني ؟
وقد أخبرتك العرافة أنني الماء المختلط بملح دمعك وندبة التطعيم في عضدك الأيسر وجرح الركبة حين خذلك التوازن على الدراجة الهوائية ،لماذا لم تبحثي عني ؟
وأنا الحرف الذي حفرته على مقعدك في الصف الأول الثانوي ووردة الجوري اليابسة في كتاب القواعد وأنا طفولتك المتساقطة خلف أسنانك اللبنية وأنا الوسادة وجنية الأسنان والأغاني القادمة من بعيد بصوت ميادة الحناوي(كان يا ما كان)
كان من اللازم أن تبحثي عني كما تبحث الطيور عن أعشاشها والأشجار عن فسحة للضوء كما تبحث الزهور عن نحلة غافلة وكما تبحث الشوارع عن كرة القدم والأزقة عن لعبة (الحجة ) .
كان من المهم أن تبحثي عني عندما تقرئين فأنا أعيش بين السطور ،إنني في الروايات التي تحبين فكرتها المتخفية وفي القصيدة جملتها السحرية وفي الأغاني النوتة اللازمة وفي اللوحة لون الأساس .
وكنت أرغب أن تبحثي عني ،أريد أن أوجد كالبطل في نهاية عرض مسرحي كالمراكب بعد العاصفة ،كالجنود في نهاية المعركة ، أريد أن أوجد كما يوجد الشعر هلالاً حول سرتك وكما يوجد الحب في ليل سورية الحزين.
حسام نعمان 27/3/2020