ليس لي متسع من الوقت
........
ساعة كاملة من الذاكرة حين رآني الطريق الى المدرسة أنظر الى ملامح ذلك المقهى
القريب من منزلي ...
كأن الزمن أمسك بأصابعه رأس الذكريات و أداره نحوي ...
حينها لم ابلغ من العمر.... إلا بضع سنين
كنت أتلصص بنظراتي خلف ...زجاجه إلى ابتسامة النّادل
التي تحاكي بشغف وجوه زبائنه
كأنّه كناري أفريقي على غصن النّرجس
يقطف الغناء من العابرين
وإلى الجالسين هناك ينفثون دخان السّجائر و رائحة القهوة الزكية
تثير شهية الارتشاف على مهل
ليس كما الان حتى الذوق غير جنسيته
و استوطن شفاه و ألسنة أخرى
موسيقا فيروز كان لها وقع اخر
يثير نشوة الصباحات ترتعد أوصالي معها كان يبتلعهم جو المكان
أسمع صدى ضحكاتهم المعربدة على الشارع وأنتفض معهم فصولًا وفضولا
أدباء و قراء يجتمعون حول طاولة الحرف
يشكون هموم الحياة اليومية وكم كانت بسيطة همومهم
يقلبون أوراق الجرائد اليومية ويحتضونها بحب وحنان
متقاعدين يجلسون على تلك الكراسي الخشبية فيها رائحة الحب والدفىء
و الدفئ
اسمع دقات جحر النرد تطرق ذاكرتي
طلاب الجامعات يقرءون نص كان متوقع أن يأتي في امتحان
لقاءات العاشقين بريئة فيها نظرات حب طاهرة بريئة !
كنت أظن أن هذا المقهى فقط ... حكرا على هولاء
اتابع مسيري في داخلي سؤال هل يمكنني يوما ما ارتياد هذا المكان ؟
هل سيكون هناك متسع من الوقت؟
كبرت قليلا أدركت أن تلك المقاهي كانت بمثابة
ملتقى دافىء أدبي اجتماعي و شعبي
يضم كل أطياف المجتمع متعدد الرؤى
اجتاحت الحرب بلدي واغتالت الكثير من البشر والحجر
تذكرت ذلك المقهى واخذتني إليه كل جوارحي
احساس رهبة تارة وإحساس دفء تارة
صراع بين الذكريات وكيف ستكون هيئته الحالية كانت
انفاسي تتسارع بخفة ودقات قلبي تطرق بشكل رهيب
وصلت وكلي لهفة جارفة حارقة
لأقف مصدومة من شدة عري المقهى
صخب عنيد خارج من وراء الزجاج يلفح نقاهة الشارع الصامت الحزين الذي صعقته صواريخ الحرب
بخار أنفس يتصاعد منها روائح النرجيلة تطرق صدورهم
الصغيرة لتشكل منهم كهلا صغيرا
كل شيء كل شيء ....تغير
تلك الملامح الفسيفسائية تغيرت بكل تفاصيلها
تعج بجنون العصر ينبعث من داخلها عنوايين فارغة
روادها ثلة لا مبالية بائسة
وجوه باردة تشكي الالم وعيون تضج اللوعة
مقهى إلكتروني ينبعث منه رائحة الضياع وعفن السطحية
تلك الطاولات باردة
خلت من تلك الاصابع المضمخمة بدفء المكان
لم يبق شيئا منها إلا غبار ذكريات
رحلت من امامه بشعور جارف من الوحدة
و جرعة غربة زائدة وقلبي الذي كان ينبض فرحا
أصبح كقالب مجمد...
لم يعد هناك حقا متسعا من الوقت ولن نموت أكثر من موتنا هذا...ولا أريد أن أعرف أو افكر إن كان قوة أو ضعفا مني
نعم سألبي كل نداء في الحياة وأشرع كل الابواب ...
نحن كما جثث هامدة
وكل ضجيج سأسمعه سأعيشه بمرّه وحلوه
أين نحن وإلى أين ذاهبين ...!
هل سنموت مرتين
لم يعد هناك متسع من الوقت
كي ننجو بأفكارنا و أنفسنا
....
ريم النقري